في برشلونة وكنيسة العائلة المقدسة.

في برشلونة وكنيسة العائلة المقدسة.

  • في برشلونة وكنيسة العائلة المقدسة.

اخرى قبل 4 سنة

 

في برشلونة وكنيسة العائلة المقدسة.

بكر أبوبكر

 

هناك الكثير من الصداقات التي لا تُنسي، لاسيما وانها ارتبطت بعمل ما، وهو الذي من خلاله يبرز معدن الإنسان فلا صداقة بلا احتكاك أو تواصل. وأنا في اختلاطي وتواصلي المستمر مع الكوادر وخاصة في حركة فتح استطيع القول أنني كونت مجموعة محترمة من المعارف و الصداقات التي استجابت للنار حينما تم اختبارها فلم تكلح ولم تصدأ أو تتحول.

 

في الدورة الحركية الريادية الأخيرة التي عقدناها في اسبانيا، وشارك بها عضو اللجنة المركزية الاخ روحي فتوح بندوة الختام،والأخ السفير كفاح عودة بندوة هامة كما الحال مع السفير صبري عطية برز عدد كبير من الأخوة والأخوات المشاركين الذين تواصلت معهم وتواصلوا معي وكان لهم من التأثير الشخصي بي أنا الكثير، وفي الحقيقة فإن قيمة العلاقات هو بمقدار تحقق هذه التأثير المتبادل، أي ليس باتجاه واحد بل باتجاهين إشعاعا وامتصاصا.

 

ودعوني قبل البدء بالحديث عن دورة برشلونة، كتالونيا أنقل لكم قصة طريفة من تراثنا الحضاري عن الفصاحة وسرعة البديهة وحُسن العرض ما يوقع التأثير المطلوب إشعاعا وامتصاصا: في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور يروي عن الأصمعي قوله: أن البادية قحطت زمن (الخليفة الاموي) هشام بن عبد الملك، فقدمت وفود العرب من القبائل؛ فجلس هشام لرؤسائهم، فدخلوا عليه وفيهم درباس بن حبيب (ويقال درواس) وله أربع عشرة سنة، عليه شملتان (الشملة كساء يتغطى به)، له ذؤابة (ضفيرة أو جديلة شعر)، فأحجم القوم وهابوا هشاماً، فوقعت عين (الخليفة) هشام على درباس فاستصغره، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد يصل إلي إلا قد وصل حتى الصبيان! فعلم درباس أنه يريده، فقال يا أمير المؤمنين، إن دخولي لم يضرك ولا أنقصك ولكنه شرفني، وإن هؤلاء قدموا لأمر فأحجموا دونه؛ وإن الكلام لنشر، وإن السكوت طي لا يعرف إلا بنشره؛ قال: فانشر لا أبالك. وأعجبه كلامه. فقال: إنه أصابتنا سنون ثلاث، فسنة أكلت اللحم، وسنة أذابت الشحم، وسنة أنقت العظم؛ وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله عز وجل ففرقوها على عباد الله، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها، فإن الله عز وجل يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، يا أمير المؤمنين، فقال (الخليفة) هشام: ما ترك الغلام في واحدة عذراً. ثم أمر أن يقسم في أهل البوادي ثلاث مئة ألف، وأمر لدرباس بمئة ألف درهم.

 

في برشلونة كانت دورتنا للكادر الحركي، والتي منها رسّخت عندي عددًا من المفاهيم التي كنت أؤمن بها وطورت بعضها، وبذلك ومن مجموع المشاركين استفدت كثيرا.

 

 أن وقع التأثير يأتي بمنطق الاشعاع والامتصاص معا، أنت تشع وأنا امتص والعكس فيقع التأثير والتأثر، وان جاز لي التلخيص على شكل نقاط فسأتحدث في نقاط سبع اقتطعها من نقاط عديدة شكلت لدي مخزون من المحبة والعرفان والاحترام لكل من تعاملت معهم في برشلونة، ممن قدموا من كل أنحاء إسبانيا، ولمن سبقوهم في اقاليم الوطن كافة، وفي دورات ألمانيا والدانمارك والسويد وهولندة وغيرها من دول قبلهم.

 

أولا: الاعداد المسبق- حيث استطاعت اللجنة المشكلة من كادرات فتح هناك من د.أمينة شومان، ود.خضر هليل، والاخ كايد أبوزور، والاخ عبدالمنعم أبوعطايا "ابومحمد" وتحت ادارة الربان د.أحمد معروف أن تذلل الكثير من العقبات مسبقا فيما يتعلق بالعضوية والمواصلات والتمويل والاقامة وحجز القاعة والتنسيق بين الاخوات والإخوة والحزب الاشتراكي وصولًا ليوم الدورة فكانت الجاهزية دلالة الفهم الصحيح لدينا لمعنى التخطيط المسبق كي نكون على أهبة الاستعداد والجاهزية بصورة لائقة، ومؤثرة حين التنفيذ.

 

الصورة اللائقة (اتقان العمل بفعله ومظهره من السنة المحمدية الشريفة) هي الصورة التي يتوجب عكسها علي المشاركين وهو ما حصل عامة باعتقادي.

 

وفي الاعداد المسبق قمت شخصيا-ما هو واجبي وواجب كل معدّ أو منظّم أو محاضر- بالتجهيز للمادة والمحاضرات والحالات النقاشية والتمارين، وبرنامج الدورة (بالتعاون مع اللجنة)، بل ومن خلال التجهيزات الميدانية باستباق المشاركين عبر تجهيزنا للقاعة بكافة متطلباتها حتى الحاسوب المحمول، ومستوعب الذاكرة وجهاز العرض الضوئي.

 

لماذا كل هذا الجهد المسبق؟ لأنه بكل بساطة لا يهمني أنا المشارك الحاضر للدورة إلا أن أرى العمل منك مكتملا، بلا أعذار لا تعنيني فهذا شأنك، كما أنه ما يتوجب علي أنا كمدير أو منظّم أو مشرف للدورة أن أظهر بحلّة زاهية وفعل متقن وصورة لائقة مُحدِثاً التأثير والتأثر المطلوب، كما الحال مع درواس بن حبيب.

 

ثانيا: كان للصرامة في تنفيذ البرنامج المعدّ -رغم بعض الاختراقات- أهمية تتجلى باحترام وقت وتتابع فقرات البرنامج وأوقات الحضور كافة، لذا تصبح ديكتاتورية الالتزام "الصرامة" ببنود البرنامج عمليه صرامة مطلوبة بالتنفيذ في ظل الحوار المنطلق مُسبقا لتحديد احتياجات المشاركين التثقيفية والتدريبية، وهو ما حصل مسبقا، وعليه فإن الصرامة في التنفيذ جدية بالعمل واحترام للوقت والناس، ورغبة تصبح واجبا لتحقيق ثلاثية الاستفادة والتواصل والمتعة بشكل صحيح ومنظم.

 

ثالثا: الفصاحة وحسن العرض حيث تحدث معظم الأخوات والأخوة ضمن البرنامج، وفي سياق التعريف عن أنفسهم أو في سياق التمثيل للمجموعات النقاشية فأجادوا وأوجزوا، وكان للفصاحة وحُسن عرض المسألة من المشاركين ومن المحاضرين مع بعض الفروقات الملحوظة أهمية أضفت على البرنامج حيوية وحركية.

 

رابعا:التأهيل النفسي المسبق ويا لها من معاناة وقلق! ويالها من عملية طويلة تجعل من الانسان في حالة ترقب وانتظار وتوجس وصراع بين الإقدام والاحجام، وما بين المباشرة والتأخر رغم كامل الاستعداد، وفي هذا بما يتعلق بي شخصيا حافز كبير للتخطي، ووقود استعين به لتقديم الأفضل الذي في ظني حاولت ان أقدمه هنا، وفي كل موقع ولربما أكون نجحت كليا او جزئيا إلا أن حالة التوثب لم تفارقني منذ المحاضرة الأولي والندوة الاولي والدورة الاولي من ٣٠ عام الى اليوم.

 

خامسا:العمل بروح الفريق حيث أكاد أجزم أن العمل الفردي علي أهميته من حيث ضرورة التطوير الذاتي وبناء الشخصية وتطوير القدرات والمهارات، الا أنه لا قيمة له منفردا عندما يكون التصدي لعمل جماهيري تواصلي تثقيفي حيث نحتاج للعمل رزمة واحدة أو كزمرة متعاضدة وكفريق عمل يحدوه السعي للتأثير بالاخرين شكلا ومضمونا، وتحفيزهم ودفعهم بشكل غير مباشر للمبادرة والابداع والعمل وبعقلية التناغم: خطوة ملتزمة تسند خطوة، وهذا في ظني ما حصل من فريق الادارة ولا أخال الا مثله قد حصل في دوراتنا السابقة في اأوربا او اسيا او الوطن.

 

سادسا: الاعداد الورقي والتقني، حيث تم انجاز الإعداد البحثي (أكثر من شهرين) ثم الورقي الأولي بعد إعداد كامل المادة مطبوعة حاسوبيا، وجاهزة لتقدم لمدة ٤ ايام صباحا ومساء، ثم وقع التصوير المسبق للأوراق أيضا في جاهزية كان لا بد منها، وهو ما كان من جاهزية ورقية عند الأخوة في اسبانيا الذين جاءوا جاهزين بورقهم واتصالاتهم واعلامهم ودون كل ذلك لكانت الدورة ناقصة قاعدة المشاركة الرئيسة عبر الانخراط فيما يوزع عليهم ويطلب منهم.

 

سابعا: الرغبة بالعمل، وهو ما لحظته من غالب المشاركين فلم يكن منهم اليائس او الملتبس عليه الأمر أوالسلبي الي درجة الحنق والفشل والردة، وإنما ظهر الناقد الراغب بتصحيح الاعوجاج ضمن ألية المبادرة والنقد في عناق واحد، إذ أن الناقد الذي يدير ظهره للعمل لاقيمة له، بينما يتجلي الألق بالناقد الذي يقدم حلولا أو ابداعات عملية وينخرط هو شخصيا بانجازها ضمن الإطار.

 

لم أري من برشلونة المدينة الجميلة الكثير باستثناء بعض الساحات، ورائحة البحر، وكنيسة العائلة المقدسة (المقصود بالاسم عائلة سيدنا المسيح عليه السلام ابن فلسطين وابن القدس) الضخمة والجميلة، ولم أتجول في أزقتها أو دروبها الا حيث وجب المسير، ولا أنصح أحدا باتباع هذا المذهب! إذ أن العمل بالقطع يسبق الاستمتاع الشخصي، ولكن الاستمتاع وان كان متحققا بذات العمل، يجب الا يغطي فكرة الاستمتاع بالبلد حيث أمكن.

 

وقفت الطالبة "بيلين حبوب" متحدثة في ختام الدورة شاكرة، وكانت بثباتها وألقها تعيد لنا درس "درواس بن حبيب" وشجاعته وفصاحته، شجاعتها وفصاحتها حينما تحدثت -وإن بالاسبانية- لتقدم بوجه مبتسم وروح عالية درسًا لنا أن فلسطين ستظل في صدور أبنائها في كل مكان حتى تحقيق العودة والتحرير باذن الله.

 

هل يسعني أن أشكر اللجنة التحضيرية والإدارية للدورة ممن أشرت اليهم وأنسى الاعلامي المتميز مسلم البريم الذي قدم من بلجيكا للمشاركة، كما فعل سابقا في ألمانيا، وهل لي أن أشكرالاعلامية المبدعة نجاح الصوراني، ولا أشكر أحمد جبران مسؤل فتح السابق الذي أثبت صلابة الانتماء حين تعانق القديم مع الجديد في الأحمدين.

 

 وهل يجوز لي أن أشكر رجال الدورة الكبار أمثال محمد نجيب وجميل شحادة ود.عثمان عبدالرحمان وكمال زهدي الكيلاني....والجميع، ولا أشكر الشبيبة ممثلة بكايد وبفراس جبران والاختين سيما وبيلين كنموذج مثلا.

 

 أم هل يتوجب علي أن أحدد من أشكرهم من أل فتوح الحاضرين، بينما بالحقيقة أن من يستحق الشكر هم جميع المشاركين حتي الاخ  المبعد من كنيسة المهد الثائر ابراهيم عبيات الذي حضر معنا، كما حضر قادة الحزب الاشتراكي الاسباني.

 

لن اترك مساحة شكر مقرونة بالتأثير إلا وسأذكر فيها كل من شارك بالدورة فردا فردا، حتى أولئك الذين كانت تخونهم اللغة أحيانا ويفقهون الاسبانية أكثر من العربية من بعض الشباب من أبناء الجالية الحضور.

 

شكرًا برشلونة لأنه عبرك التقينا بفريق عزّ نظيره، و منه تعلمنا، وبهم تأثرنا ولربما نطور أكثر.

 

 

 

 

بكر أبوبكر

كاتب وأديب عربي فلسطيني

في الفكر والدراسات العربية والاسلامية

Baker AbuBaker

Palestinian Author & writer

التعليقات على خبر: في برشلونة وكنيسة العائلة المقدسة.

حمل التطبيق الأن